هل نبدأ العام حقاً في الأول من يناير؟
تخيل أنك تستعد للاحتفال، والجميع حولك يعدّون الثواني الأخيرة استعداداً لـ 'العد التنازلي' الشهير. لكن ماذا لو أخبرتك أن ملايين البشر حول العالم كانوا قد احتفلوا برأس سنتهم قبل أسابيع، أو ربما سيحتفلون بها بعد أشهر؟ الحقيقة بسيطة ومدهشة: تقويمنا الغريغوري، الذي يفرض الأول من يناير كموعد رسمي، ليس سوى اتفاق غربي فرض نفسه على الخريطة، لكنه ليس الوحيد.
سردية الأجرام السماوية والفصول
الاحتفال ببداية العام ليس مجرد تمني سنة جديدة سعيدة؛ إنه احتفاء بالدورة الكونية التي تحكم حياة البشرية منذ فجر التاريخ. غالبًا ما ترتبط هذه الاحتفالات بالانتقالات الطبيعية الهامة، كبداية الحصاد أو انعتاق الأرض من قبضة الشتاء. فكيف ترجمت الثقافات هذا الارتباط؟
لنأخذ الشرق الأقصى كمثال. فكر في السنة الصينية أو الكورية الجديدة. هذه ليست احتفالات ثابتة في يوم محدد، بل هي مرتبطة بدورة القمر وفصول السنة، مما يجعلها تتحرك باستمرار في تقويمنا الميلادي. إنها طقوس عائلية ضخمة، تركز على لمّ الشمل وتكريم الأجداد، وبعيدة كل البعد عن أضواء الشوارع في منتصف الليل.
إيقاعات مختلفة على أطراف العالم
القصص تتنوع وتتشابك مع الجغرافيا. في منطقة شمال أفريقيا، نجد الأمازيغ يحتفلون بـ يناير (رأس السنة الأمازيغية)، وهو احتفال زراعي قديم يمثل منتصف الشتاء وبداية الأمل في عودة الدفء. هذا الاحتفال يضرب بجذوره في أعماق التاريخ البربري، ويؤكد على العلاقة المقدسة بين الإنسان والأرض.
وفي إثيوبيا، يختلف الأمر كلياً. يحتفلون بعيدهم المعروف باسم إنكوتاتاش في شهر سبتمبر/أيلول. هذا التباين ناتج عن استخدامهم لتقويمهم الخاص الذي يختلف في عدد أيامه وشهوره عن التقويم الغريغوري. إنها شهادة حية على أن الزمن ليس خطاً مستقيماً واحداً، بل شبكة من الدورات والترتيبات المجتمعية.
النوروز: احتفال الربيع السرمدي
أما في مناطق واسعة تمتد من إيران وتركيا إلى آسيا الوسطى، يتربع النوروز (اليوم الجديد) على عرش الاحتفالات. هذا المهرجان القديم، الذي يرمز إلى اعتدال الربيع، هو احتفال بالتجديد والولادة من جديد، ويسبق الأول من يناير بأشهر عديدة. إنه يمثل قوة الطبيعة التي تتغلب على الظلام.
في المحصلة، عندما يبدأ العالم غربًا العد التنازلي، تذكر أن هناك ملايين غيرنا إما أنهم أنهوا احتفالاتهم للتو، أو أنهم ينتظرون بزوغ قمرهم الخاص لبدء صفحة جديدة. فكل ثقافة لديها طريقتها الخاصة في إعلان أن الزمن قد دار، وأن دورة الحياة قد اكتملت لتبدأ من جديد.
